رمضـــــان
من النفحات الربانية العظيمة التى تمر علينا فى
هذه الأيام، الاقتراب من قدوم شهر مبارك، وهو الشهر الذى قال عنه المصطفى
أنه شهر أمته، فعنه أنه قال: (خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله
من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب
له رضوانه الأكبر وشعبان شهرى فمن عظم شعبان فقد عظم أمرى ومن عظم أمرى
كنت له فرطاً و ذخراً يوم القيامة وشهر رمضان شهر أمتى فمن عظم شهر رمضان
وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس
عليه ذنب يطلبه الله به) رواه البيهقى فى شعب الإيمان.
وعَن عَبْدِ
الله بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ وَهُوَ يَقُولُ، وَقَدْ
أَهَّلَ شَهْرُ رَمَضَانَ: (لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ مَا فِى رَمَضَانَ
لَتَمَنَّتْ أمتِى أَنْ تَكُونَ السنَة كُلُّهَا رَمَضَانَ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ خُزَاعَةَ: حَدِّثْنَا بِهِ قَالَ: إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُزَيَّنُ
لِرَمَضَانَ مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ، حَتَّى إِذَا كَانَ
أَوَّلُ يَوْمِ رَمَضَانَ هَبَّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَصَفَقَتْ
وَرَقَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ الْحُورُ الْعِينُ إِلَى ذَلِكَ
فَيَقُلْنَ: يَا رَبُّ اجْعَلْ لَنَا مِنْ عِبَادِكَ فِى هَذَا الشَّهْرِ
أَزْوَاجًا، تَقَرُّ أَعْيُنُنَا بِهِمْ، وَتَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ بِنَا،
فَمَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ رَمَضَانَ إِلاَّ زُوِّجَ زَوْجَةً مِنَ
الْحُورِ الْعِينِ فِى خَيْمَةٍ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ مِمَّا نَعَتَ
الله ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ﴾ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ
سَبْعُونَ حُلَّةً, لَيْسَ فِيهَا حُلَّةٌ عَلَى لَوْنِ الأُخْرَى،
وَتُعْطَى سَبْعِينَ لَوْنًا مِنَ الطِّيبِ، لَيْسَ مِنْهَا لَوْنٌ عَلَى
رِيحِ الآخَرِ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ سَرِيرًا مِنْ
يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ مُتَوَشِّحَةٍ بِالدُّرِّ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ
سَبْعُونَ فِرَاشًا بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، وَفَوْقَ السَّبْعِينَ
فِرَاشًا سَبْعُونَ أَرِيكَةً، لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ
أَلْفَ وَصِيفَةٍ لِحَاجَتِهَا، وَسَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفٍ، مَعَ كُلِّ
وَصِيفٍ صَحْفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهَا لَوْنُ طَعَامٍ يَجِدُ لِآخِرِ
لُقْمَةٍ مِنْهَا لَذَّةً لاَ يَجِدُ لأَوَّلِهِ، وَيُعْطَى زَوْجُهَا
مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى سَرَيرٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَيْهِ
سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُوَشَّحٍ بِيَاقُوتٍ أَحْمَرَ، هَذَا بِكُلِّ
يَوْمٍ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ سِوَى مَا عَمِلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ) رواه أبو
يعلى فى مسنده.
وعن رمضان قالوا أنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من
النار، وقالوا أيضاً أنه شهر الخير والبركة، وعن الصيام قالوا أنه درس
للغنى لكى يعتبر وينظر إلى حال أخيه الفقير، وذلك عندما يمسك عن الطعام
والشراب من الفجر إلى المغرب تجعله يستشعر ما يحدث للفقراء من جوع وعطش
فيكون أرأف حالاً بهم، ولكن قال لنا الإمام فخر الدين إذا كان الأمر هكذا
فلما يمسك الفقير أيضاً فى هذا الشهر عن الطعام والشراب؟ أى ما حكمة إمساك
الفقير أيضاً؟ وكان جوابه عن هذا الموضوع أن الصيام كتب علينا جميعا
(الغنى والفقير) وكانت الحكمة منه أن كثرة الأكل وهى من الأشياء المذمومة
فعنه أنه قال: (مَا مَلأَ آدَمِىٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ
ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ
فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه
الإمام الترمذى، وفى تهذيب الآثار للإمام الطبرى: (خصلتان تقسيان القلب:
كثرة الأكل والكلام) وكل ذلك مما يجعل المزيد من الكثافة على اللطيفة
الإلهية التى أقام بها الحق الإنسان منه وهى (الروح) مما يجعلها هى الأخرى
تضيق بالبدن، فكان الصوم هو المخرج والسبيل، وقال سيدى فخر الدين فى هذا
الأمر:
وَاللهُ قَدْ كَتَبَ الصِّيَامَ بِفَضْلِهِ كَىْ لَا تَضِيقَ
الرُّوحُ بِالْأَبْدَانِ
وقالوا أيضاً: الصوم على ثلاثة أوجه: صوم
الروحِ بقصر الأمل، وصوم العقل بخلاف الهوى، وصوم النفس بالإمساك عن الطعام
والمحارِم.
وقالوا أيضاً: الجوع إذا ساعدته القَناعة فهو مزرعة
الفِكرة، وينبوع الحكمة، وحياة الفطنة، ومصباحُ القلب.
وعن صوم الخواص
من ساداتنا أهل الله الصالحين قال عنهم الإمام أبو طالب المكى : الصوم
عندهم هو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية ثم صوم السمع والبصر
واللسان عن تعدى الحدود وصوم اليد والرجل عن البطش والسعى فى أسباب النهى،
فمن صام بهذا الوصف فقد أدرك وقته فى جملة يومه وصار له فى كل ساعة من
نهاره وقت وقد عمر يومه كله بالذكر، ولمثل هذا قيل: نوم الصائم عبادة ونفسه
تسبيح.
وفى الخبر المشهور: صوموا تصحوا فصحة القلوب من علل الرؤوس أعلى
وأحسن من صحة الأجسام من علل الأسقام.
سامر الليل